هل انت تخاف من الحب ..سؤالك يُظهر بوضوح أنك تستمر بتقسيم الأشياء وتصنيفها:
هذا حب، هذا خوف، وهذا غضب.. والآن لمجرد التغيير: لا تصنف أو تفصل ولا تُسمّي أي شيء... كل شيء يظهر فيك هو جزء من كيانك المتكامل.
لقد ظهر التقسيم لأنك كنتَ دائماً تُدين وتستنكر بعض الأجزاء وتمدح وتعظّم أجزاء أخرى... طبيعياً، الأجزاء المُدانة يجب كبتها أو على الأقل منعها من الظهور، أما الأجزاء ذات القيمة والتقدير والاحترام فيجب أن تظهر باستمرار لكي تبني شخصيتك.
لقد صنعَ هذا انفصاماً فيك لا تستطيع معه أن تحب ولا أن ترقص أو تغني مع نغمات الحب.... في الاحتفال بأي شيء ستحتاج لكامل كيانك منسجماً وحاضراً مع الحضرة، لا مشتتاً ممزقاً بين فكرة وفكرة.
خوفك ببساطة هو إشارة إلى أن الحب سوف يذوبك ويمتصك في بحره العميق.. فترتجف الأنا عندك.
الأنا تخاف... لأنك من جديد سوف تسقط في فراغ مجهول.. لذلك يسأل الفكر:
"هل تعلم أنك تغوص في منطقة مجهولة الحدود والعنوان؟ هل بإمكانك إيجاد طريق العودة إلى هويتك وذاتك بعد هذه الرحلة والمغامرة؟"
الحب يذوّب الهوية والشخصية... في الحب لا يوجد أنا ولا يوجد أنت... الحب فقط هو الموجود في الوجود....
الحب يأتي كنسمة بريّة تحصد معها كل ما زرعتَه داخلك من صفات وشخصيات ومواصفات قياسية... وتتركك كصمتٍ طاهر وسكينة نقيّة... لا تستطيع حتى أن تقول "أنا"... حتى هذه الكلمة ستشوّش الحالة...
هناك حضور قوي عندك، لكن لم يبقَ أي شخص حاضر... وهنا يحدث شيئان:
لبّ كيانك العميق ينتظر طعم الفناء... بهجة الاندماج في اللقاء والذوبان في الفضاء.... لكن شخصيتك موجودة بالمرصاد! فتقوم فوراً بصنع الخوف دون سبب معروف.
عليك أن تفهم أن هذا الخوف شيء طبيعي لأن مجتمعك وثقافتك وتربيتك قد فرضت شخصية تحيط بك طوال الوقت... هذا ما نفعله جميعاً في هذا الجهل... نحمل ما نسمّيه "ديناً" وثقافة وشهادات وألقاب لكي نصنع هذه الشششخصية... ولا نعلم أنها مخصية، تبدأ فوراً بالخوف والارتجاف.
هذه الشخصية بالذات هي الشيء الذي يدمر الحب...
الأزواج يقولون أنهم يحبون زوجاتهم والزوجات تقول نفس الشيء... الأهل يقولون أنهم يحبون أولادهم ويفرضون على الأولاد أن يقولوا نحبكم يا أهلنا... والمدرّسين يقولون أنهم يحبون طلابهم.... في كل زاوية وبقعة من بقاع العالم كل شخص يقول أنه يحب.
لو كان هذا صحيحاً... لو كان كل شخص محبوباً من عدة أشخاص بعدة أشكال لكان هذا العالم عالماً مختلفاً تماماً... ما هذا العالم المجنون الذي نعيش فيه ونصنعه كل يوم؟... كل يوم هناك تحضير للحرب... والعالم مقسوم إلى عدة دول متصارعة.
عادةً نفكر أننا أحرار... لكن فكرة الحرية هذه سببها أن السجن كبير جداً.. بلدك بكامله هو سجنك... فقط حاول الخروج من الحدود وستدرك فجأة أن الحرية كانت مزيّنة ومزيفة... حتى الطيور أكثر حرية منك لأنها ليست بحاجة لحمل جواز السفر والسماء كلها ملكها... ونحن البشر لسوء الحظ لا نمتلك كل العالم مع أننا خليفة الله على الأرض وأرقى المخلوقات.
وكذلك الأديان المنتشرة التي لا علاقة لها بأي نبي أو حكيم أو إله، كلها تقول لك أن الدين عندك هو الدين الحقيقي الأفضل والوحيد في العالم... لكن لم يبقَ من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه... انظر كيف عاش الأنبياء والخلفاء وكيف نعيش نحن الآن في هذا البلاء... ستجد أنك غير مدرك للآلية الأساسية التي تعمل وراء هذا: كل هذه الأشياء مصنوعة بالجهل لكي تغذي الأنا، وتنقلك من جوهر كيانك.. مركزك الحقيقي... إلى مركز آخر مزيف مصنوع بعدة طرق ومتراكم عند الجميع منذ أزمان وأزمان...
الحب يشكل خطراً كبيراً على الشخصية... فترتعب الشخصية وترتجف... لكن المشكلة أن أعماقك تنتظر الحب بلهفة وشوق... سجينة في زنزانة معتمة وتنتظر نسمة من الخارج... تحمل إليها شيئاً من العطر والسحر... وربما تحمل معها أيضاً زقزقة العصافير وبعضاً من خيوط الشمس... وأنت في مأزق وورطة بين اثنين:
شخصيتك المتجمدة الخائفة، وروحك المتلهفة الهائمة... التي تنتظر بشوق لحظة حدوث الحب.
يا صديقي... تحتاج لأن تقرر وبحزم رمي الشخصية تماماً...
إنها شيء دخيل وغريب ومزيف...
فقط كُن وعياً ونوراً صافياً...
هذه هي طبيعتك على صورة الله ومثاله...
وعندها سيزول كل صراع وكل خوف...
بالتأكيد الحب يصنع خوفاً عظيماً... لأننا تربّينا لكي نكره.
كل تربيتنا وتنشئتنا مضادة للحب... لكن الآلية خفيّة وقليل جداً من الناس يدرك هذه المصيبة... الهندوسي يكره المسلم، المسلم يكره المسيحي، والمسيحي يكره اليهودي... كل الأديان والطوائف تكره بعضها البعض... وكذلك المؤمن يكره الملحد، والملحد يكره المؤمن.... جميع الأيديولوجيات السياسية مبنيّة على الكراهية: الشيوعيون يكرهون الفاشيين، والفاشيين يكرهون الاشتراكيين وهلمَّ جراً... كل دول العالم وتقسيماتها جذورها مغمورة بالكراهية وكلها تكره بعضها البعض.
هذا العالم بكامله مليء بالكراهية... دمك وعظمك وحتى نقيّ عظمك مليء بها... حتى لو أحياناً ظهرنا متحدين، لن نكون إلا متحدين ضد شيء ما... ضد عدو مشترك مثلاً وإلا فلا يوجد أي اتحاد أو تعاون... وهذا ليس اتحاداً ناتجاً عن حب!
تعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان....
أدولف هتلر كان منتبهاً لهذه النفسية بين الحشود، وقد كتب في مذكراته: "إن الناس لا يتحدون بسبب الحب... الحب ليس لديه أي طاقة أو أثر عليهم، بل كل القوة تأتي من خلال الكراهية... لذلك اصنع فيهم الكراهية تجاه شيء ما وسوف يتحدون".
أستطيع تماماً فهم وجهة نظره وعمق نظرته... أحياناً المجانين يقولون بعض الحِكم!... هذه فعلاً رؤية عميقة وصحيحة في النفسية المسيطرة على الناس والحشود... ويقول هتلر في مكان آخر: "إذا أردتَ بلدك أن يكون مستعداً ومتهيئاً ومتيقظاً، فاجعل الناس دائماً ممتلئين بالخوف من أنهم سيتعرّضون للهجوم، أن الحرب اقتربت وهي تطرق الطبول والأبواب، وأن كل الدول المحيطة بهم هي عدو متربّص ينتظر فرصةً للانقضاض.... سواء كانوا أعداءً أم لا، لا يهم... إذا كانوا أعداء فهذا جيد... وإذا لم يكونوا أعداء فاخترع الأكاذيب والدعايات والإشاعات أنهم أعداء خطيرون.. عندها فقط سوف يتحد بلدك ويتماسك".
يبدو أن هذا العالم بكامله يعيش على الخوف والكراهية...
لقد كان الحب ولا يزال يُدمّر باستمرار... وعبر آلاف السنين تم شلّ الحب فيك وتسميمه... لهذا عندما ينبع الحب فيك ستجد أنك مُشفر بكاملك لكي تمنعه وتكبته كأنه عدوك اللدود... ولهذا يسبب الحب لك الخوف والرجفان، أنت وكل إنسان...
إذا كان حباً مزيفاً فلا يوجد مشكلة وتستطيع السيطرة على الوضع... لكنه إذا كان حباً حقيقياً صادقاً فعندها حتماً سترتعد أوصالك خوفاً منه، كما لو أنك ستُرمى في نار ملتهبة.
الحب هو طبيعة الإنسان ونبض قلبه وفطرته... وبدون الحب لا يمكن لأحد أن ينمو وتتفتح أزهار حياته... لا يمكن لأي أحد أن يشعر بالرضى والاكتفاء... والله لا شيء سوى أعظم تجربة من الحب.
حبك مزيف... ولا تستطيع حمل ومعالجة إلا الحب المزيف لأنه لا يسبب لك أي خوف... لذلك الله الذي في فكرك مزيف أيضاً... الإله الهندوسي.. الإله المسيحي.. الإله اليهودي.. الإله المسلم... كلها آلهة وأصنام فكرية مزيفة...
وإلهكم إله واحد... لا إله إلا الله...
هل يمكن للحب أن يكون هندوسياً؟ هل يمكن أن يكون مسيحياً؟ يهودياً؟ مسلماً؟
كل شيء مزيف يمكن التحكم به... الزواج يمكن التحكم به أما الحب فلا....
إذا أردتَ البقاء ضمن نطاق السيطرة على نفسك، فاستمر باللهو بالألعاب والدمى وعندها الأشياء الحقيقية في الحياة لن تكون لك......
يجب أن تكسر كل الألعاب... لقد لعبتَ بالألعاب طيلة حياتك ولم تنضج حتى الآن... ولا تزال طفولياً.
وتذكّر.. أن تكون طفولياً أمر بشع، لكن أن تكون مثل الطفل: ظاهرة مختلفة تماماً.
الطفولي يعني البالغ جسدياً لكنه معاق عقلياً ونفسياً والذي يستمر باللعب بالدمى وزوارق الورق وقصور الرمل.
إذا نضج المرء فعلياً وتكامل كيانه فسيشبه الطفل... إنْ لم تعودوا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت الله... ببراءة الطفل، بحيرته ودهشته وأحاسيسه الرقيقة تجاه كل ما يحيط به...
الناضج سيكون حساساً جداً لدرجة أن كل حياته ستصير نهراً دافقاً من الحب....
إنك محاط بعالم جميل مليء بالبركة والنعمة... إذا كان قلبك جامداً لا يرقص معه فلا بد أنك ميت... لا بد أنك تعيش كالجثة في القبر بانتظار تحللها...
إنني أحاول سحبك من قبرك!... لقد عشتَ طويلاً في القبر... القبور أماكن مريحة جداً، وفي الواقع لا يوجد أي مكان مريح أكثر من القبر.
لا شيء يحدث في القبر.. لا يوجد خوف لأنه لا يوجد موت سيحدث يوماً ما... لا يوجد مرض ولا تعب ولا شيخوخة... لا يمكن لأحد أن يغشك ويخدعك... لا يمكن أن تُفلس أو تخسر رصيدك في البنك... حياة القبر كلها أمان وضمان.
الحياة الحقيقية غير مضمونة ولا مأمونة... الحياة مخاطرة... فتعلّم كيف تكون حياً... كيف تعيش الخطر والمخاطرة بمواجهة لا بهروب... هذه هي الطريقة الوحيدة لكي تحيى.
إذا أردتَ أن تعيش براحة وأمان فهذا ببساطة يعني أنك ترغب بالموت وتريد الانتحار.. أنك جبان وهربان...
الحب هو موت للأنا... لذلك الخوف.
اقبَله.. ادخل فيه وواجهه... وسوف لن يؤذيك أبداً...
على العكس سيساعدك... سيجعلك أقوى من أي لحظة ماضية...
إذا استطعتَ اختراق الخوف بيقظة فسوف يختفي الخوف...
وستخرج أنت من النار الحامية مثل قطعة ذهب صافية....
منقووووووووول